أخلت الحجيّة نعناعة جنديا أمريكيا ،اصيب امام بيتها في معارك مدينة الثورة ؛ التي جرت بين جيش المهدي والقوات الأمريكية في صيف 2004 ، ولما كان مارتن ادواردز فاقدا وعيه ساعة الأخلاء بعد احتراق مدرعته، فانه أدرك وجوده في بيت هذه الحجيّة الكريمة متأخرا (بعد شهرين من إصابته البالغة) التي شفي منها ؛ واستعاد وعيه بفضل جهود الحجيّة نعناعة وسهرها الدائم وعنايتها المستمرة به ,وأحس طوال هذه الفترة في حضن الحجيّة بنوع من الامومة و الحنان والحب كان قد افتقده منذ كان في الخامسة من العمر، عندما انفصل ابوه عن أمه التي تزوجت عشيقها وتركته ,واكسبه هذا النوع من الحنان الذي تمتاز به امهاتنا وجداتنا نوعا من الاطمئنان والسكينة النفسية ، تعلقت روحه بالحجيّة نعناعة وصارت نظراته تتعقب خطوات هبّوبه (حبوبة) كما يسميها وهي تتحرك في أرجاء البيت الصغير.
واصبح مارتن او عبد الرضا كما تسميه الحجيّة أغلى من روحها وانه بحسب اعتقادها هبة سماوية عوضها الله فيه عن ابنها راضي ، الذي فقد في الحرب العراقية الإيرانية وتركها وحيدة بعد وفاة زوجها دواي..
و كيّف مارتن او (عبد الرضا) نفسه مقابل هذا التحنان والأمومة الكبيرة على حياة قاسيّة بعض الشيء ، من بينها فقدانه وجبة الفطور المفضلة في حياته والتي تتكون من( الكورن فليكس) ليستبدلها بالكيمر والسيّاح في أول الشهر عندما تستلم (هبوبة) التقاعد ،ووجبات فقيرة طيلة الشهر ،صعب عليه هضمها في البداية ثم تعودها فيما بعد. هذا بالاضافة الى صعوبات استخدام الحمام الشرقي والنوم على الارض وانقطاع الكهرباء في صيف لاهب وغيرها
الحجيّة نعناعة اخفت وليدها الأمريكي عن عيون الجيران ، وأبقت على الأمر سرا ،حتى علمت به (الكلبة البوليسية ) نويرة مرة غراب ، الشهيرة بكشف ملابسات الحوادث الخطيرة بدقائق معدودة ، والعارفة بأسرار الجيران اكثر من معرفتهم بها
* حجية نعناعة هاي قضية خطيرة عليج وعلينه كل احنا ..هاي مصيبة كشرة طاحت على روسنا، شلون تضمين امريكي كافر ابيتج ، والله لو عرفوا بيج يسوون بيتج منخل
* يمة نويرة شسوي ؟، استري علي الله يستر عليج ،
* شورطج هاي الورطة ، لو بعدج بنية مراهقة جان كَلنا حقج ،وليد حليو وعشكَتيه ، بس أنت ظاله بس القلايج ، شجابج على هل المصيبة
* يمة نويرة استغفر الله، هذا وليدي ، الله كفيلج
* أي صحيح ، مو اني ما شايفة دواي الله يرحمه، حتى أصدك هذا وليدج ، خالة هذا وليد احيمر وعيونه زرق وينكرط كرط ، منين صار وليدج
* يمة وليدي اكَلج ، ربيته وداويته وتعبت عليه وسهرت ليالي يابو ليالي ،وطلعته من حلك الموت .
* شجابه وليدج؟ عايف امه وابوه، وكاعد ابيتج ،ياريت هم عندج بيت مثل البشر هي نص قطعة خرابة.
* نويرة الله يخليج استري علينا حتى نشوفلنه حل ، يمة فدوة ابوس ايدج ... فدوة اروحلج
* شتشوفين حل ؟!، اذا عرف بي الجيش الامريكي ، يهدم بيوتنا علينا بعد ها ي لله كتبها علينا ، واذا الزرقاوي اشتم الخبر،ذبح بالسجين وتصوير بالفيديو وفضيحة دولية .
* يم نويرة شلون بيه ،اسكتي موتيني من الخوف
مارتن من جانبه كان ممدا على فراشه و يستمع بذهول للحديث بين الجارتين ،ولكنه لم يفهم الكثير مما يقال ، حيث أن معرفته باللغةالعربية تنحسر في طلباته وحاجاته اليومية البسيطة، فالتفت الى( هبوبة )مستفسرا منها عما يجري ،الحجيّة نعناعة التي تعلمت منه القليل من الانكليزية بلكنة امريكية واضحة التفتت اليه غمزته وقالت :
* ليتر .. ليتر وليدي، آي ول تيل يو بعدين.. دونت ووري ،مالك غرض يمة ما كو شي
مارتن ظل مصغيا بكل قواه الى ما تقوله نويرة غريبة الأطوار، والتي تطيل النظر في ملامحه وهي تتحدث بشيء من الشرود مع (هبوبة) .
نويرة بعد أن أدخلت الرعب والارتباك والهلع في قلب نعناعة وابنها الامريكي ، رق قلبها أخيرا ، واستخدمت كامل ذكائها في إنقاذ الموقف ، حيث طلبت من الحجيّة نعناعة ، ان (تصخم) وجه مارتن وشعره من سواد الطاوة ، وتلتقط له صورة شمسية عند مصور ساحة مظفر، لكي تستخرج له أوراق ثبوتية مزورة من سوق مريدي.
بعد أيام تحول مارتن ادواردز الى عبد الرضا دواي وصارمسقط رأسه العمارة علي الشرقي ، بدلا عن نيوجرسي ، فيما أصبح لقبه الازيرجاوي بدلا عن انديك..
وصار بين يوم وأخر يلبس دشداشة ويضع على راسه شطفة و يخرج مع ( هبوبة) نعناعة في جولات في إرجاء مدينة الثورة وضواحيها، صعد الفورتات و الريمات والتاتات والكوسترات والكيّات ، لف في الشوارع والقطاعات ،شاهد الأمريكان الكلاب وهم يجولون على أرصفة مدينته ويخربون ما هو مخرب فيها اصلا .
ألِف الحياة في قطاع 41وتعودها ، ومنذ شهر تقريبا صار يغبش الى مسطر عمال البناء في ساحة ال(خمسة وخمسين )، ويعود منهكا في المساء مع بضعة آلاف من الدنانير يضعها في جيب جدته (هبوبة سابقا ) ويقبل يدها باحترام ،
عبد الرضا دواي اصبح واحدا منا،يعيش بيننا ويدخل بيوتنا ، استجاب مؤخرا لرغبة أصدقائه في القطاع ، وسجل اسمه في جيش المهدي ، وصار يرتدي ملابس سود ويصلي الجمعة في جامع المحسن ، وقبل أيام شوهد في مظاهرة حاشدة وهو محمولا على الأكتاف ويردد (ها أخوتي ها ..لاوا أمريكا يالصدر ابنك ).. و(مرعوبة عدوان السيّد.)
الحجيّة نعناعة شاهدت ابنها من بعيد وصاحت عليه بصوت ام حنون:
* يمة عبد الرضا .. بي كيرفل ..
* اي نو.... اي نو مام ... واستمر يهتف باعلى صوته
( يلاكونه لوبيهم زود ...)