حينما خرج الحُر بن يزيد الرياحي بجيش قوامه ألف فارس لكي يتعرض للحسين (ع)، يقول الحر: "حينما خرجت من منزلي سمعت هاتفًا يقول: "يا حرَّ ابشر بالجنة"، فقلت في نفسي: "ويلٌ للحرِّ يخرج لحرب الحسين ابن بنت رسول الله ويبشَّرُ بالجنَّة"
ثمَّ تسارعت الأحداث وتجمعت الجيوش وحلَّ يوم عاشوراء فدخل الحُرُّ في ساعة الامتحان، فقد رأى الحسين (ع) ابن بنت رسول الله سيِّد شباب أهل الجنَّة في جانب، ورأى بني أميَّة ومَن لفَّ لفَّهم من أشياع يزيد الفاجر كعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد (لع) في جانب آخر. ولم يجد الحُرُّ مبرِّرًا ولا مسوِّغًا للقياس بين الطَّرفين
وعندها أخذ الحُرُّ يُخيِّر نفسه بين الجنَّة والنَّار، وصار يرتجف كالسَّعفة في مهبِّ الريح، فلمَّا رآهُ المهاجر بن أوس صاحب الحُرُّ قال له: "والله ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟"، فقال له الحر: "ويلك إنِّي أُخيِّرُ نفسي بين الجنَّة والنَّار ولن أختار على الجنَّة شيئًا"
ثمَّ توجه نحو الحسين قائلاً: "يا بن رسول الله، هل ترى لي من توبة؟"، فقال له (ع): "بلى إن تبت تاب الله عليك"، وحينها علم الحُرُّ معنى هتاف ذلك الهاتف.
إنّ هذا الاختيار المثير، واختيار الجنّة على النار، قد جعل من شخصية الحرّ شخصية محبوبة وبطولية.
تقدم الحر إلى العدو وكلمهم بأبلغ القول ووبخهم على محاربة الحسين،وقد أوشك كلامه أن يثير بعض جيش ابن سعد ويصرفهم عن حرب الحسين، فرماه جيش العدو بالسهام. فعاد إلى الحسين.
وبرز بعدها إلى الميدان وقاتل قتال البطال ومعه زهير بن القين، يحمي ظهره، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شَدّ الآخر واستنقذه، ففعلا ساعة، وإن فرس الحر لمضروب على اُذنيه وحاجبيه والدماء تسيل منه
فبرز إليهم وهو يرتجز ويقول:
إني أنا الحر ومأوى الضيف
أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حل بأرض الخيف
أضربكم ولا أرى من حيف.
حتى قتل منهم جماعة كثيرة على كبر سنه.
جله اهموم الفواطم مجله الغتوت
ورج الغاضرية وحامه البيوت
عكب ما شافت امن امذهبه الموت
طاح اوفيض دمه اعله الثره يسيل
اجاه احسين مثل الليث يهدر
ينادي ودمع عينه اعليه ينثر
امك ما خطت من سمتك حر
مسح عنه التراب اومدمعه ايسيل
او من ناده الرجس ياخيلنه اوصاح
عمامه ابغيض سلت بيض الصفاح
ابذيج الخيل نادت كل بني ارياح
عميد الحر عجب ينداس بالخيل
عله اخشوم الزلم رغما نشيله
أو كل مجتول تنهض ليه جبيله
تسل بيض السيوف اوتعتنيله
لعد المعركة والجثته اتشيل
العشيرة شالته ابحر الظهيرة
الكل منهم عليه شالته الغيرة
بس ظلوا الماعدهم عشيره
ضحاية اعله الترب من غير تغسيل
وحمل أصحاب الحسين الحر ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه وكان به رمق، فقال الحسين له وهو يمسح الدم عنه: أنت الحر كما سمتك اُمك، وأنت الحر في الدنيا والآخرة، وعلى قول: أنت حر في الدنيا وسعيد في الآخرة، ورثاه رجل من أصحاب الحسين، قيل علي بن الحسين:
لَنِعم الحرُ حر بني رياحي
صبور عند مشتبك الرماح
ونِعم الحرُ إذ فادى حسيناً
وَجادَ بنفسه عند الصباح
عصّب الحسين رأس الحر بمنديل. وبعد واقعة الطف دفنه بنو تميم على بعد ميل من قبر الحسين، حيث قبره الآن خارج كربلاء في المنطقة التي كانت تسمى قديما بـ"النواويس" (الحسين في طريقه إلى الشهادة: 97).
وممّا ينقل أنّ الشاه إسماعيل الصفوي حفر قبر الحر ووجد جسده سالماً،ولما أراد فتح العصابة التي على رأسه سال دمه، فأعادوها كما كانت. ثم بنوا قبّة على قبره (سفينة البحار 1: 242 نقلاً عن الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري).
روت كتب المقاتل وجميع المصادر التي أوردت أخبار واقعة الطف، سيرة الحرّ ودوره في الواقعة منذ لقائه بقافلة سيّد الشهداء، حتى توبته والتحاقه بجبهة الحقّ واستشهاده بين يدي الحسين. وتوبته من المع معالم حياته.