تجديد عهد
للعلامة الدكتور الشيخ أحمد الوائلي
ألقيت في الذكرى السنوية الأولى لرحيل العلامة السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب
وعدتنا وأخلف التنويل ***** والليالي كثيرهنّ قليلُ
ما تخلّت عن طبعها ذات يومٍ ***** وهو فيما علمت طبعٌ بخيلُ
إن أنالَتكَ فرحة سلبتها ***** بارق خلب وحال يحولُ
لم تكد تبتسم الأماني حتى ***** أسفت كيف كان منها الجميلُ
فإذا هذه الحياة هشيم ***** أو غثاء تحمّلته السيولُ
لا صروح تبقى ولا الكوخ يبقى ***** ويولي محقّرٌ وجليلُ
كل ما باليدين للمرء تخويل ***** وللردّ ينتهي التخويلُ
نحن نمشي لغايةٍ في سرانا ***** أسريعٌ مسيرنا أم ذميلُ
غاية يدفع الوجود إليها ***** وإليها هذي الحياة سبيلُ
* * *
سألتني عنك الديار أبا موسى ***** وكم أحزن المجيب سؤولُ
أين منّا شمائل يحمل الزاد ***** إلى الردح طبعهن النبيلُ
مَرَّ عامٌ والدّارُ يغرقها حزن ***** وصمت ووحشة وذهولُ
ومصلّى يقظانَ بالذّكرِ صاحٍ ***** حين يغفو نجمٌ وترخى سدولُ
وليالي الرُّهبان شوطٌ عليه ***** يتبارى التسبيح والتهليلُ
أصحيح آوى إلى ظُلمةِ القبر ***** مزاج كما يرن الخميلُ
وكيان عرفته دونما زيف ***** على طيب فطرةٍ مجبولُ
إنّ بعض الورى طعامٌ شهي ***** وبهم من هو الطعام الوبيلُ
لم يزل يشتهيك رهط تمازجت ***** بأرداحهِ ففيم الرحيلُ
أكذا غالكَ الردى فالجبين ***** الصلت بالتراب والديار طلولُ
* * *
ويحَ هذا التراب راحَ بأحبابي ***** فليت التراب غالته غولُ
ذهب السامرون حول الندي ***** الحلو فالصمت بالندي عويلُ
ويموت الندي إن عافه الفضل ***** وعاشت بجانبيه فضولُ
غربة الروح حين يرحل أحباب ***** وينفضّ مجمع مأهولُ
فرفاق الحياة نبع تعب ***** الروح من صفوه ويطفى الغليلُ
وإذا جَفّ النبعُ أمحل روض ***** وسجى صادحٌ وذاب هديلُ
هو قتل موت الأحبّة فالأنفس ***** جدبٌ من بعدهم ومحولُ
وسواء رَحلْتَ أم رحلوا عنك ***** ففي الحالتين أنت القتيلُ
* * *
يا أخا العمر جاد قبرك غيث ***** ورعى رمله النسيم العليلُ
وسواء أأغدقَ الغيثُ أم جفَّ ***** ففيما عند القلوب بديلُ
فلقد نث من عواطف إخوانك ***** وبل على ثراك هطولُ
خلجات بكل حبّة رملٍ ***** نابضات لو الرمال تقولُ
سكبتها عليك حبّاً وقرآناً ***** كريماً ثوابه موصولُ
ومن الحب والعواطف صرحٌ ***** كلّ صرحٍ من دونه لا يطولُ
قد تلاشت كلّ الأكاليل لكن ***** عاش للعلم والتقى أكليلُ
سوف يبقى رمز الوفاء على قبرك ***** غمر من الدموع يسيلُ
هو منّي رسالة فاستلمه ***** ومن الدمع للحبيب رسولُ
إنّ لي مدمعاً على الخطب صلب ***** العودِ لكن لدى الوفاء ذليلُ
وبصدري قلبٌ يحل به الحبّ ***** وما للأحقاد فيه حلولُ
فجميع الدنيا بدون وفاء ***** عفن منتن ومثوى رذيلُ
* * *
يا قبوراً بجنب زينبَ فيها ***** من أحبّائِنا ينامُ رعيلُ
أنتِ فيما ضممت أمٌّ رؤومٌ ***** حملتنا هضابُها والسهولُ
حضنتنا الشآم موتى وأحياء ***** وللأم ما يعود الفصيلُ
وحدةٌ بالتراب في الوطنِ الأكبر ***** ذرّاتهُ إليها تؤولُ
نحن عقد حباته جمعتْها ***** الضّاد والدين والدم المطلولُ
عانق الرمل بعضه في تراثنا ***** أفننأى وتستجيب الرَّمُولُ
قدرٌ خطّهُ دمٌ ومصيرٌ ***** وَبَنَتْه وشائجٌ وأصولُ
فإذا مسَّ بالفراتين ضرٌّ ***** بردى تشتكي له والنيلُ
* * *
إيه بغداد والفراتان وردٌ ***** سائغ والمجنحات النخيلُ
والشواطي للسامرين فراش ***** والصحو كان مشرق وأصيلُ
والرمال السمراء تحتضن التاريخ ***** مجد سطوره والفصولُ
وقباب شم لآل رسول ***** الله فيهنَّ مرقدٌ ومقيلُ
وبأفنائها مدارس آيات ***** لها بالعلوم باعٌ طويلُ
ومحاريب ملأهُنَّ كتاب ***** الله يُتلى والذّكر والترتيلُ
يتناجى بهن رهبان ليل ***** كُلّما غرّدوا به التنزيلُ
لا تخالي إنّا على بُعدِ دارٍ ***** سوف تنسى قلوبنا والعقولُ
إننا والديار خصب وجنّات ***** ورهط يعنى بنا وقبيلُ
أعين ترتجى لأفقك فجراً ***** وتعاني كيف الظلام يزولُ
وإلى أن نعود والوطن المحبوب ***** قد زال عنه عبأ ثقيلُ
سوف نبقى مشاعراً هائمات ***** في مجاليك والوفاء كفيلُ
* * *
ووداعاً إلى لقاء أبا موسى ***** إذا ضمَّنا الغدُ المأمولُ
نتفيّا رحاب ربّ كريم ***** ورحابُ الكريمِ ظِلٌّ ظليلُ
ولدينا مما خدمنا به السبط ***** شفيعٌ فيما نرى مقبولُ
ووثوق برحمةٍ وعدتنا ***** نُزُلاً لا يضيع فيها النزيلُ
أدننا رب الرّحابِ الكريمات ***** إذا أبعد الخليلَ الخليلُ